فصل: مواضع سجود التّلاوة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


سجلّ

التّعريف

1 - السّجلّ في اللّغة‏:‏ الكتاب يدوّن فيه ما يراد حفظه‏.‏ ومنه كتاب القاضي، وكتاب العهد، ونحو ذلك‏.‏ ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ‏}‏‏.‏ أي‏:‏ كطيّ الصّحيفة على ما فيها‏.‏ وهو قول ابن عبّاس، ومجاهد، واختاره الطّبريّ، وأخذ به المفسّرون‏.‏

والجمع سجلّات‏.‏ وهو أحد الأسماء المذكّرة النّادرة الّتي تجمع بالتّاء، وليس لها جمع تكسير‏.‏ ويقال‏:‏ سجّل تسجيلاً إذا كتب السّجلّ‏.‏

وسجّل القاضي عليه‏:‏ قضى،وأثبت حكمه في السّجلّ‏.‏ وسجّل العقد ونحوه‏:‏ قيّده في سجلّ‏.‏

وفي الاصطلاح‏:‏ يطلق السّجلّ على كتاب القاضي الّذي فيه حكمه، ويشمل في عرف بعض الفقهاء ما كان موجّهاً إلى قاض آخر‏.‏

ثمّ أصبح يطلق في عرفهم كذلك على ‏"‏ الكتاب الكبير الّذي تضبط فيه وقائع النّاس ‏"‏‏.‏

وقد ذكر ابن نجيم أنّ السّجلّ في عرف أهل زمانه‏:‏ هو ما كتبه الشّاهدان في الواقعة وبقي عند القاضي، وليس عليه خطّ القاضي‏.‏

وربّما خصّ الحنابلة السّجلّ بما تضمّن الحكم المستند إلى البيّنة‏.‏ وهذا هو الصّحيح في المذهب‏.‏ ومن الفقهاء من أطلق السّجلّ على المحضر‏.‏ غير أنّ الماورديّ يرى وجوب التّفريق بينهما‏.‏ ومنهم من أطلق السّجلّ والمحضر على جميع ما يكتب‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - المحضر‏:‏

2 - المحضر‏:‏ هو الصّحيفة الّتي كتب فيها ما جرى بين الخصمين من إقرار المدّعى عليه أو إنكاره، أو ببيّنة المدّعي، أو نكول المدّعى عليه عن اليمين على وجه يرفع الاشتباه‏.‏ والفرق بين السّجلّ والمحضر عند جمهور الفقهاء أنّ الأوّل يتضمّن النّصّ على الحكم، إنفاذه، خلاف الثّاني‏.‏

فلو أنّ القاضي زاد في المحضر ما يفيد إنفاذ حكمه، وإمضاءه، بعد إمهال الخصم بما يدفع به دعوى المدّعي، جاز‏.‏ وعندئذ يصبح المحضر والسّجلّ سواءً، ولا فرق‏.‏

ب - الصّكّ‏:‏

3 - الصّكّ هو ما كتب فيه البيع، والرّهن، والإقرار وغيرها‏.‏

وعرّفه السّرخسيّ بأنّه‏:‏ اسم خالص لما هو وثيقة بالحقّ الواجب‏.‏

ويطلق الصّكّ أيضاً على ما يكتبه القاضي عند إقراض مال اليتيم‏.‏

وربّما أطلق الحنابلة الصّكّ على المحضر‏.‏

ج - المستند والسّند‏:‏

4 - هو كلّ ما يستند إليه، ويعتمد عليه من حائط، وغيره‏.‏ ومستند الحكم‏:‏ ما يقوم عليه‏.‏‏.‏ وأطلق على صكّ الدّين، ونحوه‏.‏

د - الوثيقة‏:‏

5 - تطلق الوثيقة على السّجلّ، والمحضر، والصّكّ‏.‏

هـ - الدّيوان‏:‏

6 - يتعيّن الفصل بين الدّيوان العامّ، وديوان القضاء‏.‏

أ - أمّا الدّيوان العامّ‏:‏ فهو موضع لحفظ ما يتعلّق بحقوق السّلطنة من الأعمال، والأموال، ومن يقوم بها من الجيوش، والعمّال‏.‏

ب - أمّا ديوان القضاء‏:‏ فهو هذه السّجلّات وغيرها من المحاضر، والصّكوك، وكتب نصب الأوصياء، وقوام الأوقاف، والودائع، ونحو ذلك‏.‏

و - الحجّة‏:‏

7 - الحجّة تطلق على السّجلّ وعلى الوثيقة‏.‏ فهي أعمّ، ثمّ أصبحت تطلق على السّجلّ، والمحضر، والصّكّ‏.‏ ثمّ أطلقت في العرف على ما نقل من السّجلّ من الواقعة، وعليه علامة القاضي أعلاه، وخطّ الشّاهدين أسفله، وأعطي للخصم‏.‏

وخصّ الحنابلة الحجّة بالحكم القائم على البيّنة‏.‏

اتّخاذ السّجلّات

8 - ينبغي للقاضي أن يتّخذ سجلًّا حتّى لا ينسى واقعة الدّعوى إذا طال الزّمن، وليكون ذلك مذكّراً له ومعيناً على وصول المحكوم له إلى حقّه إذا جحده الخصم‏.‏

ويكتب في السّجلّ وقائع الدّعوى، وأدلّتها، وما انتهى إليه القاضي من الحكم في موضوعها، لأنّه مكلّف بحفظ الحقوق، وبغير الكتابة لا يمكن أن تحفظ‏.‏

ويتأكّد هذا الواجب بطلب المحكوم له، فإن لم يطلبه كانت الكتابة على سبيل النّدب، لتبقى الدّعوى بكلّ ما تمّ فيها محفوظةً في الدّيوان، فربّما احتاج أحد الخصمين لمراجعتها، واستخراج الحكم‏.‏

ولا يلزم القاضي أن يكتب للمحكوم عليه ما ثبت عنده أو حكم به، وإنّما هو مستحبّ‏.‏

غير أنّه إن طلب من القاضي تسجيل الحكم بالحقّ الّذي ثبت عليه، أو الّذي أوفاه، أو ثبتت براءته منه، حتّى لا يطالبه المدّعي به مرّةً أخرى، فعلى القاضي إجابته لما طلب‏.‏

وإن كانت الخصومة متعلّقةً بناقص الأهليّة أو عديمها، كالصّبيّ، والمجنون، فإنّ تسجيل الحكم واجب، وإن لم يطلب ذلك أحد، سواء كان محكوماً له، أو عليه‏.‏

وإن كانت الدّعوى متعلّقةً بحقّ من حقوق اللّه تعالى، كالحدود، أو كان الحقّ لغير معيّن كالوقف، والوصيّة للفقراء، ولجهات الخير، فإنّ على القاضي أن يكتب ذلك، ويحكم به دون حاجة لطلب من أحد‏.‏ وعلى كلّ حال، فإنّ للقاضي أن يكتب الخصومة، ويسجّل الحكم ابتداءً، وقبل أن يطلب منه أحد ذلك‏.‏

كيفيّة الكتابة في السّجلّات

9 - لا يكفي في المحاضر والسّجلّات الاختصار والإجمال‏.‏ بل لا بدّ من المبالغة في التّصريح والبيان‏.‏ ففي المحاضر يجب على الكاتب أن يكتب بعد البسملة والحمدلة أو نحو ذلك، اسم المدّعي، واسم أبيه وجدّه، وكنيته، وصناعته، وقبيلته، ومسكنه، ومصلّاه ‏"‏ أي المسجد الّذي يصلّي فيه عادةً ‏"‏ وكلّ ما يؤدّي إلى التّعرّف على شخصه‏.‏

ويذكر حضوره، والإشارة إليه‏.‏ وكذلك يفعل بالمدّعى عليه‏.‏

وأمّا الشّهود، فيتمّ تعريفهم على الوجه السّابق، وإضافة محلّ إقامتهم‏.‏

ولا بدّ أن يذكر الكاتب موضوع الدّعوى، وما جرى في المحاكمة من إقرار، أو إنكار ويمين، أو نكول، أو سماع بيّنة‏.‏

وعلى الكاتب أن يذكر الشّهادة بألفاظها، وذلك عقيب دعوى المدّعي‏.‏

ويتضمّن المحضر اسم القاضي، والمحكمة وعلامته الّتي عرف بها،وتاريخ تنظيم المحضر‏.‏

وإن كان القاضي مناباً عن قاض آخر، فلا بدّ أن يذكر صفته، وأن يكون من استنابه مأذوناً له بذلك‏.‏ وإن أشهد على المحضر كان أوكد وأحوط‏.‏

وينبغي في كتابة المحضر أن تكون على عادة البلد وأعرافه، ومصطلحاته‏.‏ ويراعى فيها متطلّبات كلّ عصر‏.‏

10 - وفي السّجلّ يذكر المحضر بكلّ ما فيه، ويضاف إليه ما يلي‏:‏

أ - النّصّ على تمكين المدّعى عليه من إبداء دفوعه، وإمهاله‏.‏

فإن أحضر دفعاً ذكره القاضي، وذكر مؤيّده، وإن لم يأت بدفع نصّ على ذلك‏.‏

ب - وإن ذكر في السّجلّ أنّه ثبت الحقّ على الوجه الّذي تثبت به الحقوق، دون ذكر لفظ الشّهادة بتمامها، فذلك جائز، وهو المختار‏.‏

ج - وقد يضاف إلى السّجلّ بعد عرض أقوال الشّهود، أنّ الدّعوى والشّهادات قد عرضت على العلماء، فأفتوا بصحّتها، وجواز القضاء بها‏.‏

د - ولا بدّ في السّجلّ من ذكر سبب الحكم، ومستنده، من إقرار أو بيّنة، ونحو ذلك‏.‏

هـ - ويتضمّن السّجلّ صدور الحكم علناً، والإشهاد عليه، وتوقيع القاضي، والنّصّ على أنّه حرّر بأمر القاضي وفيه حكمه، وقضاؤه، وأنّه حجّة للمحكوم له‏.‏

ولا بدّ من عرض نسخة السّجلّ على القاضي، لتدقيقها حتّى لا يكون فيها أيّ خلل‏.‏

حفظ السّجلّات

11 - إنّ أوّل ما يبدأ به القاضي إذا تقلّد عمله هو وضع يده على ما في الدّيوان من وثائق، وودائع، وأموال‏.‏

ولا يتمّ ذلك إلاّ بعد جرده بمعرفة أمينين أو أمين واحد، وبحضور القاضي السّابق،أو أمينه‏.‏ ثمّ يوضع كلّ نوع مستقلّاً عمّا سواه، لسهولة الرّجوع إليه عند الحاجة، ويضع عليه ختمه خوف الزّيادة، والنّقصان‏.‏ وبهذا يحفظ ما في الدّيوان مهما تعاقب القضاة‏.‏

وما ينظّمه القاضي أو كاتبه من المحاضر، والسّجلّات، والوثائق الأخرى يكتب عليه نوعه، واسم صاحبه فيقول‏:‏ محضر فلان بن فلان في خصومته مع فلان بن فلان‏.‏

ويختمه بخاتمه، وما اجتمع من ذلك في يوم، أو أسبوع فإنّه يفرده، ويضمّه في إضبارة واحدة، ويكتب على ظاهرها محاضر يوم كذا من شهر كذا، من سنة كذا‏.‏‏.‏ ويفعل ذلك في كلّ ما يجتمع عنده في الشّهر، وفي السّنة‏.‏ ويضع على ذلك خاتمه، ويحفظه في خزانته وتحت مراقبته، بحيث لا يستخرج أحد شيئًا من ذلك إلاّ بمعرفته، ومشاهدته‏.‏

ولا يمكن أن يتحقّق ما سبق بيانه إلاّ إذا أشرف القاضي على الدّيوان، وراقب كتابه، وأمناءه، وما يجري على أيديهم، وبمعرفتهم‏.‏

تعدّد نسخ السّجلّ

12 - تكتب المحاضر، والسّجلّات، والوثائق على نسختين‏:‏

إحداهما‏:‏ تحفظ في ديوان المحكمة، وعليها اسم الخصمين، أو صاحب الوثيقة، وخاتم القاضي، وتكون مستنداً للرّجوع إليها عند الحاجة‏.‏

والأخرى‏:‏ تعطى للمحكوم له، أو صاحب الوثيقة، لتكون حجّةً بالحقّ، وهي غير مختومة‏.‏ ويجري ذلك ولو من غير طلب‏.‏

ثمّ أصبحت الوثائق تكتب مرتّبةً في كتاب يجمعها، وبحسب ما يسع منها، ويحفظ في الدّيوان، وهو أكثر حفظاً، وأحوط‏.‏

فإن ضاعت النّسخة الّتي في يد ذي الشّأن، وطلب من القاضي نسخةً أخرى، أسعف طلبه، وكتب عليها ما ادّعاه من الفقدان، وتاريخها، حتّى لا يستوفى الحقّ الوارد فيها مرّتين‏.‏

عمل القاضي بما يجده في سجلّه

13 - إذا وجد القاضي في ديوانه محضراً كان قد كتبه بإقرار، أو شهادة بحقّ من الحقوق، أو وجد حكماً من أحكامه، فإنّه لا يأخذ به، ولا ينفذه ما لم يتذكّره‏.‏ وبهذا قال أبو حنيفة‏.‏ وذهب أبو يوسف، ومحمّد إلى جواز الأخذ بكلّ ذلك، واعتماده، وتنفيذه، ولو لم يتذكّره ‏;‏ لعجز القاضي عن حفظ الحادثة، ولأنّ وجود هذه الوثائق في الدّيوان دليل ظاهر على صحّتها، وبعدها عن التّزوير، والتّحريف‏.‏ والفتوى على قولهما، وهو الصّحيح، وبه قال ابن أبي ليلى، وعليه عرف القضاة من القرن الخامس الهجريّ‏.‏

وللمالكيّة قولان‏.‏ والّذي عليه الجماعة منهم موافق لقول أبي حنيفة الّذي أخذ به الشّافعيّة في الوجه الأصحّ‏.‏

أمّا الحنابلة فعندهم روايتان‏.‏ ولكن الّذي عليه العمل متّفق مع قول الصّاحبين‏.‏

وإن لم يتذكّر القاضي، فإنّ البيّنة تسمع لإثبات صحّة ما في الدّيوان من الوثائق في القول الأصحّ عند المالكيّة‏.‏

وفي رواية عن مالك أنّها لا تسمع، وهو قول الشّافعيّة‏.‏ وجمهور أهل العلم على خلافه‏.‏

فإن لم تكن هناك وثيقة، وادّعى أحد أنّ القاضي قد حكم له بكذا، فإن تذكّر القاضي قضاءه أمضاه، وإن لم يتذكّر فإنّ القاضي لا يقبل بيّنة صاحب الحقّ على ما كان قد قضى به، ولا يأخذ بها في قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، ورواية عند المالكيّة، وبه قال الشّافعيّة‏.‏ وذهب محمّد من الحنفيّة، وابن أبي ليلى، والرّواية الثّانية للمالكيّة والحنابلة إلى قبول البيّنة، وإمضاء القضاء‏.‏

ولو ضاع سجلّ من ديوان القاضي، فشهد كاتباه على ما فيه، تعيّن قبول هذه الشّهادة، واعتمادها‏.‏

عمل القاضي بما يجده في سجلّ قاض سابق

14 - اتّفق الفقهاء على أنّ القاضي لا يأخذ بما يوجد في ديوانه من سجلّات القضاة السّابقين ومحاضرهم، ولا يعتمدها، ولو كانت مختومةً،إلاّ أن يشهد بما ورد فيها شاهدان‏.‏ واستثنى الحنفيّة من ذلك ما في الدّيوان من رسوم تضمّنت أوقافاً في أيدي الأمناء، ولم يحملهم عليه إلاّ الخوف من ضياع حقوق الوقف عند تقادم الزّمان، ولذا كان قولهم هذا استحساناً‏.‏ وعلى ذلك لو وجد القاضي حكم سلفه مكتوباً بخطّه لم يجز إنفاذه بالإجماع‏.‏ وأمّا ما يوجد في الدّيوان العامّ من وثائق تحدّد حقوق الدّولة، وحقوق الأفراد، فإنّه يجب اعتمادها، وإنفاذها‏.‏

وكذلك خطّ المفتي، وكتب الفقه الموثوقة، وكتاب أهل الحرب بطلب الأمان، وقرارات الدّولة، وما في دفتر الصّرّاف، والسّمسار، والتّاجر، ونحوهم، فيما لهم، وعليهم، فإنّه يجوز الأخذ بكلّ ذلك، واعتماده من غير إشهاد على صحّة مضمونه، ومحتواه‏.‏

نقص ما في السّجلّ من أحكام

15 - إنّ كلّ نقص من مقوّمات السّجلّ الّتي سبقت يعتبر خللاً مؤثّراً في صحّته‏.‏ وذلك يظهر من الأمثلة الآتية‏:‏

أ - إذا خلا السّجلّ من الإشارة إلى المتخاصمين فإنّه لا يفتى بصحّته‏.‏ كما لو كتب فيه‏:‏ حضر فلان مجلس الحكم، وأحضر معه فلانًا، فادّعى هذا الّذي حضر، عليه‏.‏‏.‏ وينبغي أن يكتب‏:‏ ‏(‏على هذا الّذي أحضر معه‏)‏‏.‏ بدلًا من ‏(‏عليه‏)‏‏.‏

وكذا عند ذكر الخصمين في أثناء السّجلّ لا بدّ من ذكر ضمير الإشارة،فيكتب‏:‏ المدّعي هذا، والمدّعى عليه هذا‏.‏

ب - ولو لم ينصّ في السّجلّ على حضور المدّعي والمدّعى عليه مجلس القضاء، فإنّ ذلك خلل في السّجلّ عند الحنفيّة الّذين لا يرون القضاء على الغائب‏.‏

وكذلك لو خلا من النّصّ على سماع البيّنة بحضور المدّعى عليه، وصدور الحكم بحضرة الخصمين‏.‏

ج - وإن كان لأحد الخصمين وكيل، وكتب في السّجلّ ثبوت الوكالة دون كيفيّة ثبوتها‏:‏ هل هو البيّنة، أو المشافهة بحضرة القاضي ومعرفته بالوكيل والموكّل، فإنّ ذلك خلل في السّجلّ‏.‏

وأمّا الغلط باسم الوكيل وجعله محلّ الموكّل، وجعل الموكّل محلّ الوكيل، فذلك لا يؤثّر في صحّة السّجلّ، إلاّ على قول بعض المشايخ‏.‏

د - وفي دعوى الوصيّ من جهة الأب، أو من جهة القاضي، إذا خلا السّجلّ من ثبوت موت الأب، والإيصاء، ومن الإذن الحكميّ من القاضي، والإذن بالقبض، فإنّ هذا يوجب ردّه، لأنّه لا بدّ منه لإثبات صحّة الخصومة‏.‏

هـ - وكلّ سجلّ خلا من سبب الدّعوى، فإنّه مردود عند عامّة العلماء‏.‏

ولو أنّ السّجلّ خلا من أسماء الشّهود، فإنّ أكثر القضاة عند الحنفيّة صاروا لا يرون ذلك خللاً، وهو القول المشهور عند المالكيّة، غير أنّ العمل عندهم على وجوب ذكر أسمائهم في الحكم على الغائب والصّغير، ولا حاجة لذلك في الحكم على الحاضر‏.‏

وترك لفظ الشّهادة خلل في محضر الدّعوى‏.‏ وأمّا في السّجلّ، فلو كتب فيه‏:‏ وشهد الشّهود على موافقة الدّعوى، دون لفظ الشّهادة، فإنّه لا يفتى بصحّته‏.‏ ومن المشايخ من أفتى بالصّحّة، وهو المختار‏.‏

و - وكذلك لو كتب في السّجلّ على وجه الإيجاز‏:‏ ثبت عندي من الوجه الشّرعيّ، فإنّه لا يفتى بصحّة السّجلّ ما لم يبيّن وسيلة الإثبات‏.‏ وقيل يفتى بصحّته‏.‏

فإن كتب‏:‏ حكمت بثبوت السّجلّ بشرائطه، أو حكمت وفق الدّعوى، فإنّ ذلك خلل في السّجلّ، لأنّ على القاضي أن يبيّن ذلك بالتّفصيل‏.‏

ز - وإذا كتب في المحضر عند ذكر شهادة الشّهود‏:‏ وأشاروا إلى المتداعين، فإنّه لا يفتى بصحّته‏.‏ إذ لا بدّ من النّصّ على الإشارة إلى المدّعي عند الحاجة، وإلى المدّعى عليه عند الحاجة، وهذه هي الإشارة المعتبرة الّتي لا بدّ من بيانها أبلغ بيان‏.‏

ح - ولو لم يتضمّن السّجلّ في آخره أنّ القاضي حكم استناداً لشهادات الشّهود، أو أيّ دليل آخر، فإنّ القضاء لا يجوز‏.‏

ط - ولو أنّ القاضي المناب حكم بالدّعوى، وجعل حكمه موقوفاً على إمضاء القاضي المنيب، فإنّ ذلك خلل قويّ يخرجه عن كونه حكماً‏.‏

ي - وفي دعوى الوقف، لو كتب القاضي في السّجلّ‏:‏ حكمت بصحّة الوقف،فذلك خلل فيه، لأنّه ليس بقضاء في محلّه، إذ الوقف صحيح، جائز وفاقاً، والخلاف في اللّزوم‏.‏

تخصيص كاتب للسّجلّ، وما يشترط فيه

16 - على القاضي أن يختار كاتباً يستعين به في كتابة ما يجري في المحاكمة، لأنّه يشقّ عليه أن يتولّى ذلك بنفسه‏.‏

ويجب أن يتّصف كاتب القاضي بما يتّصف به القاضي، لأنّه جزء من المحكمة، ولأنّ الكتابة من جنس القضاء‏.‏ ولهذا وجب أن يكون الكاتب مسلماً، مكلّفاً، عدلاً، ورعاً، عفيفاً‏.‏ وانظر التّفصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏قضاء‏)‏‏.‏

سجود

التّعريف

1 - السّجود لغةً‏:‏ الخضوع والتّطامن والتّذلّل والميل ووضع الجبهة بالأرض، وكلّ من تذلّل وخضع فقد سجد، ويقال‏:‏ سجد البعير إذا خفض رأسه ليركب، وسجدت النّخلة إذا مالت من كثرة حملها، وسجد الرّجل إذا طأطأ رأسه وانحنى، ومنه سجود الصّلاة وهو وضع الجبهة على الأرض، والاسم السّجدة‏.‏

والمسجد بيت الصّلاة الّذي يتعبّد فيه، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً»‏.‏

وجمعه مساجد، والمسجد - بفتح الجيم - موضع السّجود من بدن الإنسان، وجمعه كذلك مساجد، وهي جبهته وأنفه ويداه وركبتاه وقدماه‏.‏

ومن هذا قولهم‏:‏ ويجعل الكافور في مساجده‏:‏ أي الميّت‏.‏

قال الرّاغب الأصفهانيّ‏:‏ السّجود للّه عامّ في الإنسان، والحيوانات، والجمادات وذلك ضربان‏:‏

الأوّل‏:‏ سجود باختيار وليس ذلك إلاّ للإنسان، وبه يستحقّ الثّواب، ومنه قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا‏}‏‏.‏

الثّاني‏:‏ سجود تسخير، وهو للإنسان والحيوانات والنّبات والجمادات، وإليه يشير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ سُجَّداً لِلّهِ‏}‏‏.‏

فهذا سجود تسخير، وهو الدّلالة الصّامتة النّاطقة المنبّهة على كونها مخلوقةً، وأنّها خلق فاعل حكيم، وخصّ السّجود في الشّريعة بالرّكن المعروف من الصّلاة، وما يجري مجرى ذلك من سجود القرآن وسجود الشّكر‏.‏

الحكم التّكليفيّ

أوّلاً‏:‏ سجود الصّلاة

2 - أجمع الفقهاء على فرضيّة السّجود في الصّلاة وأنّه ركن من أركان الصّلاة بنصّ الكتاب والسّنّة والإجماع‏.‏

أمّا الكتاب فقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏‏.‏

وأمّا السّنّة فمنها حديث المسيء صلاته قال فيه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أنّ أسجد على سبعة أعظم»‏.‏

كما أجمعوا على وجوب سجدتين في كلّ ركعة من ركعات الصّلاة، سواء كانت هذه الصّلاة فرضاً أو سنّةً‏.‏

3 - واتّفقوا على أنّ أكمل السّجود هو أن يسجد المصلّي على سبعة أعضاء، وهي الجبهة مع الأنف، واليدان، والرّكبتان، والقدمان، لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - والرّجلين والرّكبتين وأطراف القدمين»‏.‏

وفي رواية‏:‏ «أمرت بالسّجود على سبعة أعظم اليدين، والرّكبتين، والقدمين، والجبهة»‏.‏ ومن كمال السّجود أن ترتفع أسافله على أعاليه كاشفاً وجهه ليباشر به الأرض‏.‏

وأن يطمئنّ ساجداً لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته‏:‏ «ثمّ اسجد حتّى تطمئنّ ساجداً» وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجدت فأمكن وجهك من السّجود كلّه حتّى تطمئنّ ساجداً ولا تنقر نقراً»‏.‏ لما روي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ «لمّا نزلت ‏{‏فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ‏}‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اجعلوها في ركوعكم‏.‏ فلمّا نزلت ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏ قال‏:‏ اجعلوها في سجودكم»‏.‏

وأن يعتدل في سجوده ويرفع ذراعيه عن الأرض، ولا يفترشهما، وينصب القدمين ويوجّه أصابع الرّجلين واليدين إلى القبلة، لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «اعتدلوا في السّجود ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب»‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان ينهى أن يفترش الرّجل ذراعيه افتراش السّبع»‏.‏ وعن أبي حميد «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة»‏.‏

وعن جابر رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب»‏.‏

وعن وائل بن حجر رضي الله عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان إذا سجد ضمّ أصابعه وجعل يديه حذو منكبيه»‏.‏

وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال‏:‏ «إذا سجد العبد سجد كلّ عضو منه فليوجّه من أعضائه إلى القبلة ما استطاع»‏.‏

وأن يجافي مرفقيه عن جنبيه لما روى أحمر بن جزء «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد جافى عضديه عن جنبيه حتّى نأوي له»‏.‏

وروي «أنّه كان إذا سجد لو شاءت بهمة أن تمرّ بين يديه لمرّت»‏.‏

وأن يرفع بطنه عن فخذيه لما رواه أبو حميد «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان إذا سجد فرّج بين فخذيه غير حامل بطنه على شيء من فخذيه»‏.‏

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من خلفه فرأيت بياض بطنه وهو مجخّ، قد فرّج بين يديه»‏.‏

وأن يفرّج بين رجليه أي بين قدميه وفخذيه وركبتيه، لما رواه أبو حميد في وصف صلاة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا سجد فرّج بين رجليه»‏.‏

وأن يضع راحتيه على الأرض مبسوطتين مضمومتي الأصابع بعضها إلى بعض مستقبلاً بهما القبلة، ويضعهما حذو منكبيه، لقول أبي حميد‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وضع كفّيه حذو منكبيه»‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ يضعهما بحذاء أذنيه، لما رواه وائل بن حجر رضي الله عنه‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سجد فجعل كفّيه بحذاء أذنيه» وفي رواية‏:‏ «ثمّ سجد ووضع وجهه بين كفّيه»‏.‏

وأن يعتمد على راحتيه «لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد اللّه بن عمر رضي الله عنهما‏:‏ إذا سجدت فاعتمد على راحتيك»‏.‏

أمّا المرأة فتضمّ بعضها إلى بعض في سجودها فتلصق بطنها بفخذيها، ومرفقيها بجنبيها، وتفترش ذراعيها وتنخفض، ولا تنتصب كانتصاب الرّجال، ولا تفرّق بين رجليها‏.‏

قال بعض العلماء‏:‏ مثل المرأة في ذلك الخنثى لأنّ ذلك أستر لها، وأحوط له‏.‏

أحكام السّجود

اختلف الفقهاء في مسائل من أحكام السّجود منها‏:‏

وضع الرّكبتين قبل اليدين أو عكسه

4 - ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وجمع من علماء السّلف كالنّخعيّ وسفيان الثّوريّ وإسحاق ومسلم بن يسار وابن المنذر إلى أنّه من المستحبّ أن يضع ركبتيه ثمّ يديه، ثمّ جبهته وأنفه، فإن وضع يديه قبل ركبتيه أجزأه إلاّ أنّه ترك الاستحباب، لما رواه وائل بن حجر رضي الله عنه قال‏:‏ «رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه»‏.‏

وروى سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه قال‏:‏ «كنّا نضع اليدين قبل الرّكبتين فأمرنا بوضع الرّكبتين قبل اليدين» وقد روى الأثرم عن أبي هريرة‏:‏ «إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الجمل»‏.‏

وذهب المالكيّة والأوزاعيّ وهو رواية عن أحمد إلى أنّه يقدّم يديه قبل ركبتيه لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه»‏.‏

وروي عن مالك أنّ السّاجد له أن يقدّم أيّهما شاء من غير تفضيل بينهما، لعدم ظهور ترجيح أحد المذهبين على الآخر‏.‏

السّجود على اليدين والرّكبتين والقدمين

5 - ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة وأحد القولين لدى الشّافعيّة ورواية عن أحمد إلى أنّه لا يجب على السّاجد وضع يديه وركبتيه وقدميه، وإنّما الواجب عليه هو السّجود على الجبهة - وهي من مستدير ما بين الحاجبين إلى النّاصية - لأنّ الأمر بالسّجود ورد مطلقًا من غير تعيين عضو، ثمّ انعقد الإجماع على تعيين بعض الوجه، فلا يجوز تعيين غيره - زاد الحنفيّة - ولا يجوز تقييد مطلق الكتاب - وهو هنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ - بخبر الواحد، ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ‏}‏، ولقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجدت فمكّن جبهتك» فإفرادها بالذّكر دليل على مخالفتها لغيرها من الأعضاء الأخرى، ولأنّ المقصود من السّجود وضع أشرف الأعضاء على مواطئ الأقدام، وهو خصّيص بالجبهة، ولأنّه لو كان وضع الأعضاء الأخرى واجبًا لوجب الإيماء بها عند العجز عن وضعها كالجبهة‏.‏

فإذا سجد على جبهته أو على شيء منها دون ما سواها من الأعضاء أجزأه ذلك‏.‏

وذهب بعض الفقهاء من الحنابلة وأحد القولين لدى الشّافعيّة وطاوس وإسحاق إلى وجوب السّجود على اليدين والرّكبتين والقدمين لما رواه ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت بالسّجود على سبعة أعظم‏:‏ اليدين والرّكبتين والقدمين والجبهة» وعن ابن عمر رضي الله عنهما «أنّ اليدين يسجدان كما يسجد الوجه، فإذا وضع أحدكم وجهه فليضع يديه، وإذا رفعه فليرفعهما»‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب‏:‏ وجهه وكفّاه وركبتاه وقدماه»‏.‏

ويكفي وضع جزء من كلّ واحد من هذه الأعضاء إلاّ أنّ الشّافعيّة يرون أنّ العبرة في اليدين ببطن الكفّ سواء الأصابع أو الرّاحة، وفي القدمين ببطن الأصابع فلا تجزئ الظّهر منها ولا الحرف، أمّا الحنابلة فيرون أنّ وضع بعض كلّ عضو من الأعضاء السّتّة المذكورة يجزئ سواء كان ظاهره أو باطنه، لأنّ الأحاديث لم تفرّق بين باطن العضو وظاهره‏.‏

وضع الأنف على الأرض في السّجود

6 - ذهب جمهور الفقهاء وهم المالكيّة والشّافعيّة، وأبو يوسف ومحمّد صاحبا أبي حنيفة، وعطاء وطاوس وعكرمة والحسن وابن سيرين وأبو ثور والثّوريّ، وهو رواية عن أحمد، إلى أنّه لا يجب السّجود على الأنف مع الجبهة لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم»‏.‏ ولم يذكر الأنف فيه، ولحديث جابر رضي الله عنه قال‏:‏ «رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سجد بأعلى جبهته على قصاص الشّعر»‏.‏

وإذا سجد بأعلى جبهته لم يسجد على الأنف، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض ولا تنقر نقراً»‏.‏

ويستحبّ عند هؤلاء السّجود على الأنف مع الجبهة للأحاديث الّتي تدلّ على ذلك‏.‏

وذهب الحنابلة وهو قول عند المالكيّة وسعيد بن جبير وإسحاق والنّخعيّ وأبو خيثمة وابن أبي شيبة‏:‏ إلى وجوب السّجود على الأنف مع الجبهة، لما روى ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم‏:‏ الجبهة - وأشار بيده على أنفه - واليدين والرّكبتين، وأطراف القدمين»‏.‏ وفي رواية «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم الجبهة والأنف»‏.‏ الحديث‏.‏

وعن أبي حميد «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ كان إذا سجد أمكن أنفه وجبهته من الأرض»‏.‏

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنّه رأى رجلاً يصلّي لا يصيب أنفه الأرض فقال‏:‏ لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين»‏.‏

وذهب أبو حنيفة إلى أنّه مخيّر بين السّجود، على الجبهة وبين السّجود على الأنف، وأنّ الواجب هو السّجود على أحدهما فلو وضع أحدهما في حالة الاختيار جاز، غير أنّه لو وضع الجبهة وحدها جاز من غير كراهة ولو وضع الأنف وحده جاز مع الكراهة‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ لا يحفظ أنّ أحداً سبقه إلى هذا القول، ولعلّه ذهب إلى أنّ الجبهة والأنف عضو واحد، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا ذكر الجبهة أشار إلى أنفه‏.‏ والعضو الواحد يجزئ السّجود على بعضه‏.‏

كشف الجبهة وغيرها من أعضاء السّجود

7 - ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، وجمع من علماء السّلف، كعطاء وطاوس والنّخعيّ والشّعبيّ والأوزاعيّ إلى عدم وجوب كشف الجبهة واليدين والقدمين في السّجود، ولا تجب مباشرة شيء من هذه الأعضاء بالمصلّى بل يجوز السّجود على كمّه وذيله ويده وكور عمامته وغير ذلك ممّا هو متّصل بالمصلّي في الحرّ أو في البرد، لحديث أنس رضي الله عنه قال‏:‏ «كنّا نصلّي مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في شدّة الحرّ فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكّن جبهته من الأرض يبسط ثوبه فيسجد عليه»‏.‏ ولما روي عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال‏:‏ «لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يتّقي الطّين إذا سجد بكساء عليه يجعله دون يديه إلى الأرض إذا سجد»‏.‏ وروي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنّه سجد على كور عمامته»‏.‏

وعن الحسن قال‏:‏ كان أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسجدون وأيديهم في ثيابهم ويسجد الرّجل على عمامته، وفي رواية‏:‏ كان القوم يسجدون على العمامة والقلنسوة ويده في كمّه‏.‏

وذهب الشّافعيّة وهو رواية عن أحمد إلى وجوب كشف الجبهة ومباشرتها بالمصلّى وعدم جواز السّجود على كمّه وذيله ويده وكور عمامته أو قلنسوته أو غير ذلك ممّا هو متّصل به ويتحرّك بحركته لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «إذا سجدت فمكّن جبهتك من الأرض» الحديث، ولما روي عن خبّاب بن الأرتّ رضي الله عنه قال‏:‏ «شكونا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حرّ الرّمضاء في جباهنا وأكفّنا فلم يشكنا» وفي رواية‏:‏ «فما أشكانا»‏.‏

الطّمأنينة في السّجود

8 - الطّمأنينة في السّجود هي أن يستقرّ كلّ عضو في مكانه، وقدّره بعض العلماء بزمن من يقول فيه‏:‏ ‏"‏ سبحان ربّي الأعلى ‏"‏ مرّةً واحدةً وذلك بعد أن يهوي للسّجود مكبّراً‏.‏

وذهب الجمهور إلى فرضيّة الطّمأنينة خلافاً لأبي حنيفة ومحمّد، فهي ليست فرضاً بل واجب يجبر تركه بسجود السّهو‏.‏ وتفصيله في ‏(‏صلاة، وفي طمأنينة‏)‏‏.‏

التّكبير للسّجود والتّسبيح فيه

9 - ذهب جمهور الفقهاء وهم الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة ورواية عن أحمد إلى أنّ التّكبير والتّسبيح وسائر الأذكار والأدعية الواردة في السّجود سنّة ليست بواجبة، فلو تركها المصلّي عمداً لم يأثم وصلاته صحيحة، سواء تركها عمداً أو سهواً، ولكن يكره تركها عمداً لحديث المسيء صلاته حيث إنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم عندما علّمه فروض الصّلاة لم يعلّمه هذه الأذكار، ولو كانت واجبةً لعلّمه إيّاها، وتحمل الأحاديث الواردة بهذه الأذكار على الاستحباب‏.‏

وذهب الحنابلة وإسحاق إلى وجوب التّكبير والتّسبيح في السّجود فإن ترك شيئاً منها عمداً بطلت صلاته، وإن ترك نسياناً لم تبطل صلاته بل يسجد للسّهو، لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فعله وأمر به‏.‏ وأمره للوجوب، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» ولما روي عنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «لا تتمّ صلاة لأحد من النّاس حتّى يتوضّأ - إلى أن قال -‏:‏ ثمّ يقول‏:‏ اللّه أكبر، ثمّ يسجد، حتّى تطمئنّ مفاصله»‏.‏

وقد جرى خلاف بين الفقهاء في زيادة لفظ ‏"‏ وبحمده ‏"‏ بعد قوله‏:‏ ‏"‏ سبحان ربّي الأعلى ‏"‏، وهل قول‏:‏ ‏"‏ سبحان ربّي الأعلى ‏"‏ هو المتعيّن أم للمصلّي أن يختار ما شاء من ألفاظ التّسبيح ‏؟‏ وهل من المستحبّ أن يكرّرها ثلاث مرّات أو أكثر مع اعتبار حال المصلّي إذا كان منفرداً، أو إماماً، أو مأموماً ‏؟‏ وينظر مثل هذه التّفاصيل في مصطلح‏:‏ ‏(‏ركوع‏)‏ حيث إنّ التّكبير والتّسبيح في الرّكوع والسّجود حكمها واحد لا يختلف‏.‏

قال بعض الفقهاء‏:‏ يستحبّ أن يقول في سجوده بعد التّسبيح‏:‏ «اللّهمّ لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت سجد وجهي للّذي خلقه وصوّره وشقّ سمعه وبصره تبارك اللّه أحسن الخالقين»، كما يستحبّ الدّعاء فيه‏.‏ ومن بين الأدعية الواردة‏:‏ «اللّهمّ اغفر لي ذنبي كلّه دقّه وجلّه، وأوّله وآخره، وعلانيته وسرّه، اللّهمّ إنّي أعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك»‏.‏

قراءة القرآن في السّجود

10 - اتّفق الفقهاء على كراهة قراءة القرآن في السّجود، لحديث عليّ رضي الله عنه قال‏:‏ «نهاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد»‏.‏

وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ألا وإنّي نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأمّا الرّكوع فعظّموا فيه الرّبّ، وأمّا السّجود فاجتهدوا في الدّعاء، فقمن أن يستجاب لكم»‏.‏

فإن قرأ غير الفاتحة في السّجود لم تبطل صلاته، وإن قرأ الفاتحة فالجمهور على أنّها لا تبطل كذلك‏.‏

وفي وجه عند الشّافعيّة أنّها تبطل، لأنّه نقل ركناً إلى غير موضعه كما لو ركع أو سجد في غير موضعه‏.‏

وسجود التّلاوة، وسجود السّهو، سجود الشّكر تفاصيلها في مصطلحاتها‏.‏

ثانياً‏:‏ السّجود لغير اللّه

11 - أجمع الفقهاء على أنّ السّجود للصّنم أو للشّمس أو نحوهما من المخلوقات كفر يخرج السّاجد به عن الملّة إذا كان عاقلاً بالغاً مختاراً، سواء كان عامداً أو هازلاً‏.‏

وصرّح الشّافعيّة بأنّه إن لم يسجد للصّنم أو للشّمس على سبيل التّعظيم واعتقاد الألوهيّة، بل سجد لها وقلبه مطمئنّ بالإيمان يجري عليه حكم الكفّار في الظّاهر، ولا يحكم بكفره فيما بينه وبين اللّه، وإن دلّت قرينة قويّة على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف، كسجود أسير في دار الحرب بحضرة كافر خشيةً منه فلا يكفر‏.‏

12 - كما أجمعوا على أنّ السّجود لغير صنم نحوه، كأحد الجبابرة أو المملوك أو أيّ مخلوق آخر هو من المحرّمات وكبيرة من كبائر الذّنوب، فإن أراد السّاجد بسجوده عبادة ذلك المخلوق كفر وخرج عن الملّة بإجماع العلماء، وإن لم يرد بها عبادةً فقد اختلف الفقهاء فقال بعض الحنفيّة‏:‏ يكفر مطلقاً سواء كانت له إرادة أو لم تكن له إرادة، وقال آخرون منهم‏:‏ إذا أراد بها التّحيّة لم يكفر بها،وإن لم تكن له إرادة كفر عند أكثر أهل العلم‏.‏

سجود التّلاوة

التّعريف

1 - السّجود لغةً‏:‏ مصدر سجد، وأصل السّجود التّطامن والخضوع والتّذلّل‏.‏

والسّجود في الاصطلاح‏:‏ وضع الجبهة أو بعضها على الأرض أو ما اتّصل بها من ثابت مستقرّ على هيئة مخصوصة‏.‏

والتّلاوة‏:‏ مصدر تلا يتلو، يقال‏:‏ تلوت القرآن تلاوةً إذا قرأته، وعمّ بعضهم به كلّ كلام‏.‏

وسجود التّلاوة‏:‏ هو الّذي سبب وجوبه - أو ندبه - تلاوة آية من آيات السّجود‏.‏

الحكم التّكليفي

2 - اتّفق الفقهاء على مشروعيّة سجود التلاوة، للآيات والأحاديث الواردة فيه، لكنّهم اختلفوا في صفة مشروعيته أواجب هو أو مندوب‏.‏

فذهب الشّافعية و الحنابلة إلى أنّ سجود التّلاوة سنّة مؤكّدة عقب تلاوة آية السّجدة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً، وَيقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً، وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً‏}‏‏.‏

ولما ورد عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد، اعتزل الشّيطان يبكي، يقول يا ويلي، وفي رواية ياويله - أمر ابن آدم بالسّجود فسجد فله الجنّة، و أمرت بالسّجود فأبيت فلي النّار»‏.‏

ولما روى عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ «كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقرأ علينا السّورة فيها السّجدة فيسجد ونسجد»‏.‏

وليس سجود التّلاوة بواجب - عندهم - لأنّ النّبي صلى الله عليه وسلم تركه، وقد قرأت عليه سورة ‏{‏وَالنَّجْمِ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ وفيها سجدة، روى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «قرأت على النّبي صلى الله عليه وسلّم وَالنَّجْمِ فلم يسجد فيها» وفي رواية‏:‏ «فلم يسجد منّا أحد» وروى البخاري «أنّ عمر رضي الله تعالى عنه قرأ يوم الجمعة على المنبر سورة النّحل حتّى إذا جاء السّجدة نزل فسجد، فسجد النّاس، حتّى إذا كانت الجمعة القابلة قرأ بها حتّى إذا جاء السّجدة قال‏:‏ ‏"‏ يا أيّها النّاس، إنّا نمر بالسّجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه، ولم يسجد عمر رضي الله تعالى عنه» ورواه مالك في الموطّأ وقال فيه‏:‏ «على رسلكم، إنّ الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء، فلم يسجد، ومنعهم أن يسجدوا، وكان بمحضر من الصحابة، ولم ينكروا عليه فكان إجماعاً»‏.‏

واستدلوا أيضاً بما جاء في حديث الأعرابي من قوله صلى الله عليه وسلم «خمس صلوات في اليوم والليلة، قال‏:‏ هل عليّ غيرها ‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا أن تتطوع»‏.‏ وبأنّ الأصل عدم الوجوب حتّى يثبت صحيح صريح في الأمر به ولا معارض له ولم يثبت، وبأنه يجوز سجود التّلاة على الراحلة بالاتّفاق في السّفر ولو كان واجباً لم يجز كسجود صلاة الفرض‏.‏

واختلف فقهاء المالكّية في حكم سجود التّلاوة، هل هو سنّة غير مؤكّدة أو فضيلة، والقول بالسّنية شهّره ابن عطاء الله وابن الفاكهاني وعليه الأكثر، والقول بأنّه فضيلة هو قول الباجي وابن الكاتب وصدّر به ابن الحاجب ومن قاعدته تشهير ما صدّر به، وهذا الخلاف في حق المكلّف‏.‏ أما الصّبي فيندب له فقط، وفائدة الخلاف كثرة الثّواب وقلّته، وأما السّجود في الصّلاة ولو فرضاً فمطلوب على القولين، وقال ابن العربي‏:‏ وسجود التّلاوة واجب وجوب سنّة لا يأثم من تركه عامداً‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّ سجود التّلاوة أو بدله كالإيماء واجب لحديث‏:‏ «السّجدة على من سمعها‏.‏‏.‏‏.‏» وعلى للوجوب، ولحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ «إذا قرأ ابن آدم السّجدة فسجد اعتزل الشّيطان يبكي، يقول ياويله أمر ابن آدم بالسّجود فسجد فله الجنّة، وأمرت بالسّجود فأبيت فلي النّار»‏.‏

شروط سجود التّلاوة

الطّهارة من الحدث والخبث

3 - ذهب الفقهاء إلى أنّه يشترط لصحّة سجود التّلاوة الطّهارة من الحدث والخبث في البدن والثّوب والمكان، لكون سجود التّلاوة صلاةً أو جزءاً من الصّلاة أو في معنى الصّلاة، فيشترط لصحّته الطّهارة الّتي شرطت لصحّة الصّلاة، والّتي لا تقبل الصّلاة إلاّ بها، لما روى عبد اللّه بن عمر رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لا تقبل صلاة بغير طهور» فيدخل في عمومه سجود التّلاوة‏.‏

وقال ابن قدامة‏:‏ يشترط لسجود التّلاوة ما يشترط لصلاة النّافلة من الطّهارتين من الحدث والنّجس‏.‏‏.‏‏.‏ ولا نعلم فيه خلافاً إلاّ ما روي عن عثمان بن عفّان رضي الله تعالى عنه في الحائض تسمع السّجدة‏:‏ تومئ برأسها، وبه قال سعيد بن المسيّب قال‏:‏ ويقول‏:‏ اللّهمّ لك سجدت، وعن الشّعبيّ فيمن سمع السّجدة على غير وضوء‏:‏ يسجد حيث كان وجهه‏.‏

وقال القرطبيّ‏:‏ لا خلاف في أنّ سجود القرآن يحتاج إلى ما تحتاج إليه الصّلاة من طهارة حدث ونجس‏.‏‏.‏ إلاّ ما ذكر البخاريّ عن عبد اللّه بن عمر رضي الله تعالى عنهما أنّه كان يسجد على غير طهارة‏.‏ وذكره ابن المنذر عن الشّعبيّ‏.‏

وعند المالكيّة في اشتراط الطّهارة لسجود التّلاوة خلافه للنّاصر اللّقانيّ‏.‏

قال أبو العبّاس‏:‏ والّذي تبيّن لي أنّ سجود التّلاوة واجب مطلقاً في الصّلاة وغيرها‏.‏

وهو رواية عن أحمد، ومذهب طائفة من العلماء، ولا يشرع فيه تحريم ولا تحليل‏.‏

هذا هو السّنّة المعروفة عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم وعليها عامّة السّلف‏.‏

وعلى هذا فليس هو صلاةً‏.‏ فلا يشترط له شروط الصّلاة‏.‏ بل يجوز على غير طهارة‏.‏ كان ابن عمر يسجد على غير طهارة‏.‏ واختارها البخاريّ‏.‏ لكنّ السّجود بشروط الصّلاة أفضل، ولا ينبغي أن يخلّ بذلك إلاّ لعذر‏.‏

فالسّجود بلا طهارة خير من الإخلال به، لكن قد يقال‏:‏ إنّه لا يجب في هذه الحال كما لا يجب على السّامع إذا لم يسجد قارئ السّجود‏.‏ وإن كان ذلك السّجود جائزاً عند جمهور العلماء‏.‏

وأمّا ستر العورة واستقبال القبلة والنّيّة فهي شروط لصحّة سجود التّلاوة على التّفصيل المبيّن في مصطلح‏:‏ ‏(‏صلاة، و عورة‏)‏ على أنّ الشّافعيّة اعتبروا النّيّة ركناً‏.‏

دخول الوقت

4 - يشترط لصحّة سجود التّلاوة دخول وقت السّجود، ويحصل ذلك عند جمهور الفقهاء بقراءة جميع آية السّجدة أو سماعها، فلو سجد قبل الانتهاء إلى آخر الآية ولو بحرف واحد لم يصحّ السّجود، لأنّه يكون قد سجد قبل دخول وقت السّجود فلا يصحّ، كما لا تصحّ الصّلاة قبل دخول وقتها‏.‏

واختلف الحنفيّة فيما يجب به سجود التّلاوة، فقال الحصكفيّ‏:‏ يجب سجود التّلاوة بسبب تلاوة آية، أي أكثرها مع حرف السّجدة‏.‏

وعقّب ابن عابدين على ذلك بقوله‏:‏ هذا خلاف الصّحيح الّذي جزم به في نور الإيضاح‏.‏

الكفّ عن مفسدات الصّلاة

5 - يشترط لصحّة سجود التّلاوة الكفّ عن كلّ ما يفسد الصّلاة من قول أو فعل، لأنّ سجود التّلاوة صلاة أو في معنى الصّلاة‏.‏

واشترط بعض الفقهاء شروطاً أخرى لصحّة سجود التّلاوة، منها‏:‏ ما اشترطه الشّافعيّة من كون القراءة مقصودةً ومشروعةً، وعدم الفصل الطّويل بين قراءة آخر آية السّجدة والسّجود‏.‏

ومن ذلك ما ذهب إليه الحنابلة من أنّه يشترط لسجود المستمع أن يكون التّالي ممّن يصلح أن يكون إماماً له، وأن يسجد التّالي‏.‏

مواضع سجود التّلاوة

6 - مواضع سجود التّلاوة في القرآن الكريم خمسة عشر، بعضها متّفق عليه، وبعضها مختلف فيه، وقيل ستّ عشرة بزيادة سجدة عند آية الحجر‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ‏}‏‏.‏ خلافاً لجماهير العلماء‏.‏

مواضع السّجود المتّفق عليها

7 - اتّفق الفقهاء على سجود التّلاوة في عشرة مواضع من القرآن الكريم‏.‏

1 - سورة الأعراف‏:‏ وهي آخر آية فيها ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ‏}‏‏.‏

2 - سورة الرّعد‏:‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ‏}‏ من الآية الخامسة عشر‏.‏

3 - سورة النّحل عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏ من الآية الخمسين‏.‏

4 - سورة الإسراء‏:‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً‏}‏ من الآية التّاسعة بعد المائة‏.‏

5- سورة مريم‏:‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً‏}‏ من الآية الثّامنة والخمسين‏.‏

6- سورة الحجّ‏:‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء‏}‏ من الآية الثّامنة عشر‏.‏

7- سورة النّمل‏:‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ‏}‏ من الآية السّابعة والعشرين‏.‏

8- سورة السّجدة ‏{‏الم تَنْزِيلُ‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ‏}‏ من الآية الخامسة عشر‏.‏

9- سورة الفرقان‏:‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَزَادَهُمْ نُفُوراً‏}‏ من الآية السّتّين‏.‏

10 - سورة حم السّجدة ‏"‏ فصّلت ‏"‏‏.‏ عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ‏}‏ من الآية الثّامنة والثّلاثين‏.‏

هذا على ما ذهب إليه الجمهور لفعل ابن عبّاس رضي الله عنهما، وقيل‏:‏ إنّ السّجود يكون عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ‏}‏ عند تمّام الآية السّابعة والثّلاثين، وهو المشهور عند المالكيّة‏.‏

مواضع السّجود المختلف فيها

اختلف الفقهاء في سجود التّلاوة عند خمسة مواضع من القرآن الكريم هي‏:‏

أ - السّجدة الثّانية في سورة الحجّ‏:‏

8 - اختلف الفقهاء في السّجود عند قوله تعالى‏:‏‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلخ‏.‏

فذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ في سورة الحجّ سجدتين، إحداهما الّتي تقدّمت في المتّفق عليه، والأخرى عند‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا‏}‏ وهي الآية السّابعة والسّبعون‏.‏

لما روي عن «عقبة بن عامر رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قلت يا رسول اللّه‏:‏ فضّلت سورة الحجّ بأنّ فيها سجدتين ‏؟‏ قال‏:‏ نعم، من لم يسجدهما فلا يقرأهما» ولأنّه قول عمر وعليّ وعبد اللّه بن عمر وأبي الدّرداء وأبي موسى رضي الله عنهم، وأبي عبد الرّحمن السّلميّ، وأبي العالية وزرّ بن حبيش، قال ابن قدامة‏:‏ لم نعرف لهم مخالفاً في عصرهم، وقد قال أبو إسحاق السّبيعيّ التّابعيّ الكبير‏:‏ أدركت النّاس منذ سبعين سنةً يسجدون في الحجّ سجدتين، وقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ لو كنت تاركاً إحداهما لتركت الأولى، وذلك لأنّها إخبار، والثّانية أمر‏.‏

وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى أنّه لا سجود في هذا الموطن، واستدلّوا بما روي عن أبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه «أنّه عدّ السّجدات الّتي سمعها من رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وعدّ في الحجّ سجدةً واحدةً»‏.‏ وعن عبد اللّه بن عبّاس وعبد اللّه بن عمر رضي الله تعالى عنهم قالا‏:‏ سجدة التّلاوة في الحجّ هي الأولى، والثّانية سجدة الصّلاة، ولأنّ السّجدة متى قرنت الرّكوع كانت عبارةً عن سجدة الصّلاة كما في قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ‏}‏ ولعدم سجود فقهاء المدينة وقرّائهم فيها‏.‏

ب - سجدة سورة ‏(‏ص‏)‏‏:‏

9 - ذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى مشروعيّة السّجود للتّلاوة في سورة ‏(‏ص‏)‏، لكنّ الحنفيّة قالوا في الصّحيح عندهم‏:‏ إنّ السّجود عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ‏}‏‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ السّجود عند قول اللّه عزّ وجلّ‏:‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏{‏وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ‏}‏ وهو المعتمد في المذهب خلافاً لمن قال السّجود عند قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَحُسْنَ مَآبٍ‏}‏، ومن المالكيّة من اختار السّجود في الأخير في كلّ موضع مختلف فيه ليخرج من الخلاف‏.‏

واستدلّ الحنفيّة لمذهبهم، بما روى ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سجد في ص»‏.‏ وبما أخرجه أحمد عن أبي سعيد رضي الله عنه قال‏:‏ «رأيت رؤيا وأنا أكتب سورة ص فلمّا بلغت السّجدة رأيت الدّواة والقلم وكلّ شيء بحضرتي انقلب ساجداً، فقصصتها على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فلم يزل يسجد بها»‏.‏

قال الكمال بن الهمام في الاستدلال بالحديث‏:‏ فأفاد أنّ الأمر صار إلى المواظبة عليها كغيرها من غير ترك‏.‏

واستدلّوا كذلك بما روي عن عثمان رضي الله تعالى عنه أنّه قرأ في الصّلاة سورة ‏(‏ص‏)‏ وسجد وسجد النّاس معه، وكان ذلك بمحضر من الصّحابة رضي الله تعالى عنهم، ولم ينكر عليها أحد، ولو لم تكن السّجدة واجبةً لما جاز إدخالها في الصّلاة‏.‏

وقالوا‏:‏ كون سبب السّجود في حقّنا الشّكر لا ينافي الوجوب، فكلّ الفرائض والواجبات إنّما وجبت شكراً لتوالي النّعم، ونحن نسجد شكراً‏.‏

وذهب الشّافعيّة في المنصوص الّذي قطع به جمهورهم - والحنابلة - في المشهور في المذهب - إلى أنّ سجدة ‏(‏ص‏)‏ ليست من عزائم السّجود، أي ليست من متأكّداته - فليست سجدة تلاوة ولكنّها سجدة شكر، لما روى أبو داود عن أبي سعيد رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر ص، فلمّا بلغ السّجدة نزل فسجد، وسجد النّاس معه، فلمّا كان يوم آخر قرأها فلمّا بلغ السّجدة تشزّن النّاس للسّجود - أي تأهّبوا له - فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنّما هي توبة نبيّ، ولكنّي رأيتكم تشزّنتم للسّجود فنزل فسجد وسجدوا»، وروى النّسائيّ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سجد في ص وقال‏:‏ سجدها داود توبةً، ونسجدها شكراً»‏.‏ وروى البخاريّ عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ ‏(‏ص‏)‏ ليست من عزائم السّجود‏.‏

وقالوا‏:‏ إذا قرأ ‏(‏ص‏)‏ من غير الصّلاة استحبّ أن يسجد لحديث أبي سعيد وابن عبّاس رضي الله تعالى عنهم، وإن قرأها في الصّلاة ينبغي ألاّ يسجد، فإن خالف وسجد ناسياً أو جاهلاً لم تبطل صلاته وسجد للسّهو، وإن سجدها عامداً عالماً بتحريمها في الصّلاة بطلت صلاته على الأصحّ من الوجهين، لأنّها سجدة شكر، فبطلت بها الصّلاة كالسّجود في الصّلاة عند تجدّد نعمة، ومقابل الأصحّ‏:‏ لا تبطل لأنّها تتعلّق بالتّلاوة فهي كسائر سجدات التّلاوة، ولو سجد إمامه في ‏(‏ص‏)‏ لكونه يعتقدها فثلاثة أوجه أصحّها‏:‏ لا يتابعه بل إن شاء نوى مفارقته لأنّه معذور، وإن شاء ينتظره قائماً كما لو قام إلى خامسة، فإن انتظره لم يسجد للسّهو لأنّ المأموم لا سهو عليه، والثّاني‏:‏ لا يتابعه أيضاً، وهو مخيّر في المفارقة والانتظار، فإن انتظره سجد للسّهو بعد سلام الإمام، لأنّه يعتقد أنّ إمامه زاد في صلاته جاهلاً، وإنّ لسجود السّهو توجّهاً عليهما فإذا أخلّ به الإمام سجد المأموم، والثّالث‏:‏ يتابعه في سجوده في ‏(‏ص‏)‏ لتأكّد متابعة الإمام‏.‏

ومقابل المنصوص الّذي قطع به جمهور الشّافعيّة ومقابل المشهور في المذهب عند الحنابلة أنّ سجدة ‏(‏ص‏)‏ سجدة تلاوة من عزائم السّجود، وهو قول أبي العبّاس بن سريج وأبي إسحاق المروزيّ من الشّافعيّة، والرّواية الثّانية عن أحمد، يسجد من تلاها أو سمعها وذلك لما رواه أبو موسى وأبو سعيد وعبد اللّه بن عبّاس رضي الله تعالى عنهم‏:‏ «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سجد فيها»‏.‏

وينظر حكم السّجود في الصّلاة من آية السّجدة في سورة‏(‏ص‏)‏ في بحث‏:‏ ‏(‏سجود الشّكر‏)‏‏.‏

ج - سجدات المفصّل‏:‏

10 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ في المفصّل ثلاث سجدات - المفصّل من أوّل سورة ‏(‏ق‏)‏ إلى آخر المصحف - أحدها في آخر النّجم، والثّانية في الآية الحادية والعشرين من سورة الانشقاق، والثّالثة في آخر سورة العلق، لما روي عن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أقرأه خمس عشرة سجدةً منها ثلاث في المفصّل»‏.‏ ولما روى أبو رافع قال‏:‏ «صلّيت خلف أبي هريرة العتمة فقرأ ‏{‏إذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ فسجد، فقلت‏:‏ ما هذه السّجدة ‏؟‏ فقال‏:‏ سجدت بها خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد فيها حتّى ألقاه»‏.‏ وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «سجد نافع مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في ‏{‏إذا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ و ‏{‏اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ‏}‏» وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله تعالى عنه «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النّجم فسجد بها، وما بقي أحد من القوم إلاّ سجد»‏.‏

ولأنّ آية سورة النّجم‏:‏ ‏{‏فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا‏}‏ وآية آخر سورة العلق‏:‏ ‏{‏كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏}‏ وكلتا الآيتين أمر بالسّجود‏.‏

ومشهور مذهب مالك أنّه لا سجود في شيء من المفصّل، واستدلّوا بما روى زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «قرأت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم النّجم فلم يسجد» وبما روي عن ابن عبّاس وابن عمر رضي الله تعالى عنهم قالا‏:‏ ليس في المفصّل سجدة، وبما أخرج ابن ماجه عن أبي الدّرداء رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ «سجدت مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة سجدةً ليس فيها من المفصّل شيء‏:‏ الأعراف، والرّعد، والنّحل، وبني إسرائيل، ومريم، والحجّ، وسجدة الفرقان، وسورة النّمل، والسّجدة، وفي ص وسجدة الحواميم»، ولعمل أهل المدينة لعدم سجود فقهائها وقرّائها في النّجم والانشقاق‏.‏ والمعتمد عند المالكيّة أنّ المصلّي إذا سجد للتّلاوة في ثانية الحجّ أو في سجدات المفصّل لم تبطل صلاته للخلاف فيها، وقيل‏:‏ تبطل صلاته إلاّ أن يكون مقتدياً بمن يسجدها فيسجد معه، فإن ترك اتّباعه أساء وصحّت صلاته، ولو سجد دون إمامه بطلت صلاته‏.‏

ونقل الزّرقانيّ اتّجاهات المالكيّة في اعتبار الخلاف في مشروعيّة السّجود في ثانية الحجّ وسجدات المفصّل الثّلاث حقيقيّاً أو غير حقيقيّ، فقال‏:‏ جمهور المتأخّرين على أنّ هذا الخلاف حقيقيّ وهو ظاهر المصنّف خليل - وعليه فيمنع أن يسجدها في الصّلاة، قال سند‏:‏ لأنّه يزيد فيها فعلاً تبطل بمثله، وسمّيت الإحدى عشرة عزائم مبالغةً في فعل السّجود مخافة أن تترك‏.‏ وقيل‏:‏ إنّ الخلاف غير حقيقيّ والسّجود في جميعها، إلاّ أنّه في الإحدى عشرة آكد، ويشهد له قول الموطّأ‏:‏ عزائم السّجود إحدى عشرة أي المتأكّد منها‏.‏

كيفيّة سجود التّلاوة

11 - اتّفق الفقهاء على أنّ سجود التّلاوة يحصل بسجدة واحدة، وذهب جمهورهم إلى أنّ السّجدة للتّلاوة تكون بين تكبيرتين، وأنّه يشترط فيها ويستحبّ لها ما يشترط ويستحبّ لسجدة الصّلاة من كشف الجبهة والمباشرة بها باليدين والرّكبتين والقدمين والأنف، ومجافاة المرفقين من الجنبين والبطن عن الفخذين، ورفع السّاجد أسافله عن أعاليه وتوجيه أصابعه إلى القبلة، وغير ذلك‏.‏

لكنّهم اختلفوا في تفصيل كيفيّة أداء السّجود للتّلاوة اختلافاً يحسن معه إفراد أقوال كلّ مذهب ببيان‏:‏

ذهب الحنفيّة إلى أنّ ركن سجدة التّلاوة السّجود أو بدله ممّا يقوم مقامه كركوع مصلّ وإيماء مريض وراكب‏.‏

وقالوا‏:‏ إنّ سجود التّلاوة سجدة بين تكبيرتين مسنونتين جهراً، واستحبّوا له الخرور له من قيام، فمن أراد السّجود كبّر ولم يرفع يديه وسجد ثمّ كبّر ورفع رأسه اعتباراً بسجدة الصّلاة، لما روي عن عبد اللّه بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنّه قال للتّالي‏:‏ إذا قرأت سجدةً فكبّر واسجد وإذا رفعت رأسك فكبّر، والتّكبيرتان عند الهويّ للسّجود وعند الرّفع منه مندوبتان لا واجبتان، فلا يرفع السّاجد فيهما يديه، لأنّ الرّفع للتّحريم، ولا تحريم لسجود التّلاوة، وقد اشترطت التّحريمة في الصّلاة لتوحيد الأفعال المختلفة فيها من قيام وقراءة وركوع وسجود، وبالتّحريمة صارت فعلاً واحداً، وأمّا سجدة التّلاوة فماهيّتها فعل واحد فاستغنت عن التّحريمة، ولأنّ السّجود وجب تعظيماً للّه تعالى وخضوعاً له عزّ وجلّ‏.‏ وتؤدّى سجدة التّلاوة - عند الحنفيّة - في الصّلاة بسجود أو ركوع غير ركوع الصّلاة وسجودها، وتؤدّى بركوع الصّلاة إذا كان الرّكوع على الفور من قراءة آية أو آيتين وكذا الثّلاث على الظّاهر، وكان المصلّي قد نوى كون الرّكوع لسجود التّلاوة على الرّاجح، وتؤدّى بسجود الصّلاة على الفور وإن لم ينو، ولو نواها الإمام في ركوعه ولم ينوها المؤتمّ لم تجزه، ويسجد إذا سلّم الإمام ويعيد القعدة، ولو تركها فسدت صلاته، وذلك في الجهريّة، والأصل في أدائها السّجود، وهو أفضل، ولو ركع المصلّي لها على الفور جاز، وإن فات الفور لا يصحّ أن يركع لها ولو في حرمة الصّلاة، فلا بدّ لها من سجود خاصّ بها ما دام في حرمة الصّلاة، لأنّ سجدة التّلاوة صارت دينًا والدّين يقضى بما له لا بما عليه، والرّكوع والسّجود عليه فلا يتأدّى به الدّين، وإذا سجد للتّلاوة أو ركع لها على حدة فوراً يعود إلى القيام، ويستحبّ أن لا يعقبه بالرّكوع بل يقرأ بعد قيامه آيتين أو ثلاثاً فصاعداً ثمّ يركع، وإن كانت السّجدة من آخر السّورة يقرأ من سورة أخرى ثمّ يركع‏.‏

أمّا في خارج الصّلاة فلا يجزئ الرّكوع عن سجود التّلاوة لا قياساً ولا استحساناً كما في البدائع، وهو المرويّ في الظّاهر‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ سجدة التّلاوة شابهت الصّلاة، ولذا شرط لها ما شرط للصّلاة من الطّهارة وغيرها، وشابهت القراءة لأنّها من توابعها، ولذا تؤدّى - كالقراءة - بلا إحرام، أي بغير تكبير للإحرام مع رفع اليدين عنده زيادةً على التّكبير للهويّ والرّفع، وبلا سلام على المشهور‏.‏

وعدم مشروعيّة التّسليم في سجدة التّلاوة لا يعني عدم النّيّة لها، لأنّ سجدة التّلاوة صلاة والنّيّة لا بدّ منها في الصّلاة بلا نزاع، والنّيّة لسجدة التّلاوة هي أن ينوي أداء هذه السّنّة الّتي هي السّجدة، قال الزّرقانيّ‏:‏ ويكره الإحرام والسّلام، لكن يبعد أو يمنع أن يتصوّر هويّه لسجدة التّلاوة من غير استحضار نيّة لتلك السّجدة‏.‏

وقالوا‏:‏ وينحطّ السّاجد لسجدة التّلاوة من قيام، ولا يجلس ليأتي بها منه، وينزل الرّاكب، ويكبّر لخفضه في سجوده والرّفع منه إذا كان بصلاة، بل لو بغير صلاة، خلافاً لمن قال‏:‏ إنّ من سجد للتّلاوة بغير صلاة لا يكبّر لخفض ولا لرفع، وقال بعض الشّرّاح‏:‏ الظّاهر أنّ حكم هذا التّكبير السّنّيّة، ويؤيّده أنّ سجدة التّلاوة في الصّلاة من جملة الصّلاة والتّكبير فيها سنّة، وقال غيرهم‏:‏ إنّه مستحبّ، ولا يكفي عن سجدة التّلاوة - عندهم - ركوع، أي لا يجعل الرّكوع بدلها أو عوضاً عنها، سواء أكان في صلاة أم لا‏.‏

وإن ترك سجدة التّلاوة عمداً وقصد الرّكوع الرّكنيّ صحّ ركوعه وكره له ذلك، وإن تركها سهواً عنها وركع قاصداً الرّكوع من أوّل الأمر فذكرها وهو راكع اعتدّ بركوعه فيمضي عليه ويرفع لركعته عند مالك من رواية أشهب، لا عند ابن القاسم فيخرّ ساجداً، ثمّ يقوم فيقرأ شيئاً ويركع، ويسجد بعد السّلام إن كان قد اطمأنّ بركوعه الّذي تذكّر فيه تركها لزيادة الرّكوع‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ السّاجد للتّلاوة إمّا أن يكون في الصّلاة أو في غير الصّلاة‏:‏

أ - في الصّلاة‏:‏

من أراد السّجود للتّلاوة وهو في الصّلاة، إماماً كان أو منفرداً أو مأموماً، نوى السّجود بالقلب من غير تلفّظ ولا تكبير للافتتاح لأنّه متحرّم بالصّلاة، فإن تلفّظ بالنّيّة بطلت صلاته كما لو كبّر بقصد الإحرام، والنّيّة واجبة في حقّ الإمام والمنفرد ومندوبة في حقّ المأموم لحديث‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات»‏.‏

وقال ابن الرّفعة والخطيب ‏"‏ لعلّه الشّربينيّ ‏"‏‏:‏ لا يحتاج في هذا السّجود إلى نيّة، لأنّ نيّة الصّلاة تنسحب عليه وتشمله بواسطة شمولها للقراءة‏.‏

ويستحبّ له أن يكبّر في الهويّ إلى السّجود ولا يرفع اليد، لأنّ اليد لا ترفع في الهويّ إلى السّجود في الصّلاة، ويكبّر عند رفعه رأسه من السّجود كما يفعل في سجدات الصّلاة‏.‏

وإذا رفع رأسه من السّجود قام ولا يجلس للاستراحة، فإذا قام استحبّ أن يقرأ شيئاً ثمّ يركع، فإن انتصب قائماً ثمّ ركع بلا قراءة جاز إذا كان قد قرأ الفاتحة قبل سجوده، ولا خلاف في وجوب الانتصاب قائماً، لأنّ الهويّ إلى الرّكوع من القيام واجب‏.‏

قال النّوويّ‏:‏ وفي الإبانة والبيان وجه أنّه لو رفع من سجود التّلاوة إلى الرّكوع ولم ينتصب أجزأه الرّكوع، وهو غلط نبّهت عليه لئلاّ يغترّ به‏.‏

ب - في غير الصّلاة‏:‏

من أراد السّجود للتّلاوة وهو في غير الصّلاة نوى السّجود، لحديث‏:‏ «إنّما الأعمال بالنّيّات» واستحبّ له التّلفّظ بالنّيّة، ثمّ كبّر للإحرام رافعاً يديه حذو منكبيه كما يفعل في تكبيرة الإحرام في الصّلاة، ثمّ كبّر للهويّ للسّجود بلا رفع ليديه، وسجد سجدةً واحدةً كسجدة الصّلاة، ورفع رأسه مكبّراً، وجلس وسلّم من غير تشهّد كتسليم الصّلاة‏.‏

وقالوا‏:‏ أركان السّجود للتّلاوة في غير الصّلاة أربعة‏:‏ النّيّة، وتكبيرة الإحرام، والسّجدة، والسّلام‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ من أراد السّجود للتّلاوة يكبّر للهويّ لا للإحرام ولو خارج الصّلاة، خلافاً لأبي الخطّاب، لحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ «كان صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مرّ بالسّجدة كبّر وسجد وسجدنا معه»‏.‏

وظاهره أنّه كبّر مرّةً واحدةً، ويكبّر السّاجد للتّلاوة إذا رفع من السّجود لأنّه سجود مفرد فشرع التّكبير في ابتدائه وفي الرّفع منه كسجود السّهو وصلب الصّلاة، ويجلس في غير الصّلاة إذا رفع رأسه من السّجود، لأنّ السّلام يعقبه فشرع ليكون سلامه في حال جلوسه، بخلاف ما إذا كان في الصّلاة، ثمّ يسلّم تسليمةً واحدةً عن يمينه على الصّحيح من المذهب، وعن أحمد أنّ التّسليم ركن‏.‏

القيام لسجود التّلاوة

12 - اختلف الفقهاء فيما يستحبّ لمن أراد السّجود للتّلاوة في غير الصّلاة، هل يقوم فيستوي قائمًا ثمّ يكبّر ويهوي للسّجود، أم لا‏:‏

ذهب الحنابلة وبعض متأخّري الحنفيّة وهو وجه عند الشّافعيّة إلى أنّه يستحبّ لمن أراد السّجود أن يقوم فيستوي ثمّ يكبّر ويخرّ ساجداً، لأنّ الخرور سقوط من قيام، والقرآن الكريم ورد به في قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏‏.‏‏.‏‏.‏ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّداً‏}‏‏.‏

ولما ورد عن عائشة رضي الله تعالى عنها ‏"‏ أنّها كانت تقرأ في المصحف، فإذا مرّت بالسّجدة قامت فسجدت وتشبيهًا لسجدة التّلاوة بصلاة النّفل‏.‏

والأصحّ من الوجهين عند الشّافعيّة أنّه لا يستحبّ لمن يريد السّجود للتّلاوة أن يقوم فيستوي ثمّ يكبّر ثمّ يهوي للسّجود، وهو اختيار إمام الحرمين والمحقّقين، قال الإمام‏:‏ ولم أر لهذا القيام ذكراً ولا أصلاً، وقال النّوويّ‏:‏ لم يذكر الشّافعيّ وجمهور الأصحاب هذا القيام ولا ثبت فيه شيء يعتمد ممّا يحتجّ به، فالاختيار تركه، لأنّه من جملة المحدثات، وقد تظاهرت الأحاديث الصّحيحة على النّهي عن المحدثات‏.‏

التّسبيح والدّعاء في سجود التّلاوة

13 - من يسجد للتّلاوة إن قال في سجوده للتّلاوة ما يقوله في سجود الصّلاة جاز وكان حسناً، وسواء فيه التّسبيح والدّعاء، ويستحبّ أن يقول في سجوده ما روت عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ «كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن‏:‏ سجد وجهي للّذي خلقه وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوّته» وإن قال‏:‏ اللّهمّ اكتب لي بها عندك أجراً واجعلها لي عندك ذخراً، وضع عنّي بها وزراً، واقبلها منّي كما قبلتها من عبدك داود عليه السلام فهو حسن لما روى ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ «جاء رجل إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول اللّه‏:‏ إنّي رأيتني اللّيلة وأنا نائم كأنّي أصلّي خلف شجرة فسجدت، فسجدت الشّجرة لسجودي فسمعتها وهي تقول‏:‏ اللّهمّ اكتب لي بها عندك أجراً، وضع عنّي بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبّلها منّي كما تقبّلتها من عبدك داود، قال ابن عبّاس‏:‏ فقرأ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سجدةً ثمّ سجد فسمعته وهو ساجد يقول مثل ما أخبره الرّجل عن قول الشّجرة»، ونقل عن الشّافعيّ أنّ اختياره أن يقول السّاجد في سجود التّلاوة‏:‏ ‏{‏سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً‏}‏ قال النّوويّ‏:‏ وظاهر القرآن يقتضي مدح هذا فهو حسن، وقال المتولّي وغيره من الشّافعيّة‏:‏ ويسنّ أن يدعو بعد التّسبيح‏.‏

التّسليم من سجود التّلاوة

14 - اتّفق الفقهاء على أنّه لا تسليم من سجود التّلاوة إذا كان في الصّلاة، واختلفوا في التّسليم منه في غير الصّلاة‏.‏

فذهب الحنفيّة، وهو المشهور عند المالكيّة، والقول المقابل للأصحّ عند الشّافعيّة، ومقابل المختار عند الحنابلة، إلى أنّه لا تسليم من سجود التّلاوة في غير الصّلاة، كما لا يسلّم منه في الصّلاة، ولأنّ التّسليم تحليل من التّحريم للصّلاة، ولا تحريمة لها عند الحنفيّة ومن وافقهم، فلا يعقل التّحليل بالتّسليم‏.‏

والأصحّ من القولين عند الشّافعيّة، والمختار من الرّوايتين عند الحنابلة، ومقابل المشهور عند المالكيّة‏:‏ أنّه يجب التّسليم من سجود التّلاوة لأنّه صلاة ذات إحرام فافتقرت إلى السّلام كسائر الصّلوات لحديث‏:‏ «مفتاح الصّلاة الطّهور وتحريمها التّكبير وتحليلها التّسليم»‏.‏

السّجود للتّلاوة خلف التّالي

15 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه إذا قرأ الرّجل في غير صلاة آية السّجدة ومعه قوم، فالسّنّة في أداء سجدة التّلاوة أن يتقدّم التّالي ويصفّ السّامعون خلفه، فيسجد التّالي ثمّ يسجد السّامعون، لا يسبقونه بالوضع ولا بالرّفع، لأنّ التّالي إمام السّامعين، لما ورد عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم «أنّه تلا على المنبر سجدةً فنزل وسجد وسجد النّاس معه» وفيه دليل على أنّ السّامع يتبع التّالي في السّجدة، ولما روي عن عمر رضي الله تعالى عنه أنّه قال للتّالي‏:‏ كنت إمامنا لو سجدت لسجدنا معك، وليس هذا اقتداءً حقيقةً بل صورةً، ولذا يستحبّ ألاّ يسبقوه بالوضع ولا بالرّفع، فلو كان حقيقة ائتمام لوجب ذلك، ولو تقدّم السّامعون على التّالي أو سبقوه بالوضع أو بالرّفع أجزأهم السّجود للتّلاوة لأنّه مشاركة بينه وبينهم في الحقيقة، ولذا لو فسدت سجدة التّالي بسبب من الأسباب لا يتعدّى الفساد إلى الباقين‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يسنّ أن يسجد للتّلاوة القارئ مطلقاً سواء أصلح للإمامة أم لا، وسواء أجلس ليسمع النّاس حسن قراءته أم لا‏.‏

ويسجد قاصد السّماع ذكراً أو أنثى، فإن لم يقصد السّماع فلا يسجد‏.‏

ويشترط لسجود المستمع أن يجلس ليتعلّم من القارئ آيات القرآن الكريم، أو أحكامه ومخارج حروفه، فإن جلس المستمع لمجرّد الثّواب أو للتّدبّر والاتّعاظ، أو السّجود فقط، فلا يجب السّجود عليه‏.‏

كما يلزم السّامع السّجود ولو ترك القارئ السّجدة سهواً، لأنّ تركه لا يسقط طلبه من الآخر، إلاّ أن يكون إماماً وتركه، فيتّبعه مأمومه‏.‏

وسجود القارئ ليس شرطاً في سجود المستمع إن صلح القارئ ليؤمّ‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ إذا سجد المستمع في غير صلاة مع القارئ لا يرتبط به ولا ينوي الاقتداء به وله الرّفع من السّجود قبله، قال الزّركشيّ‏:‏ وقضيّة ذلك منع الاقتداء به، لكنّ قضيّة كلام القاضي والبغويّ جوازه، وقال القليوبيّ‏:‏ لا يتوقّف سجود أحدهما على سجود الآخر، ولا يسنّ الاقتداء ولا يضرّ‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ شرط لاستحباب السّجود أي في غير الصّلاة كون القارئ يصلح إماماً للمستمع فلا يسجد مستمع إن لم يسجد التّالي ولا قدّامه أو عن يساره مع خلوّ يمينه لعدم صحّة الائتمام به إذن، ولا يسجد رجل بتلاوة امرأة وخنثى لعدم صحّة ائتمامه بهما، ولا يضرّ رفع رأس مستمع قبل رأس قارئ، وكذا لا يضرّ سلامه قبل سلام القارئ، لأنّه ليس إماماً له حقيقةً بل بمنزلته وإلاّ لما صحّ ذلك، وأمّا المأموم في الصّلاة فلا يرفع قبل إمامه كسجود الصّلب‏.‏

ما يقوم مقام سجود التّلاوة

16 - ذهب الفقهاء إلى أنّه لا يجزئ حال القدرة والاختيار - عن السّجود للتّلاوة في غير صلاة ركوع أو نحوه‏.‏ على تفصيل مرّ في كيفيّة سجود‏.‏

وقال القليوبيّ من الشّافعيّة‏:‏ يقوم مقام السّجود للتّلاوة أو الشّكر ما يقوم مقام التّحيّة لمن لم يرد فعلها ولو متطهّراً وهو‏:‏ سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر‏.‏

ونقل ابن عابدين عن التتارخانية أنّه يستحبّ للتّالي أو السّامع إذا لم يمكنه السّجود أن يقول‏:‏ سمعنا وأطعنا غفرانك ربّنا وإليك المصير‏.‏

قال الشّبراملّسي‏:‏ سئل ابن حجر عن قول الشّخص‏:‏ ‏{‏سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ‏}‏، عند ترك السّجود لآية السّجدة لحدث أو عجز عن السّجود كما جرت به العادة عندنا هل يقوم الإتيان بها مقام السّجود كما قالوا بذلك في داخل المسجد بغير وضوء أنّه يقول‏:‏ سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلاّ اللّه واللّه أكبر‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فإنّها تعدل ركعتين كما نقله الشّيخ زكريّا في شرح الرّوض عن الإحياء، فأجاب بقوله‏:‏ إنّ ذلك لا أصل له فلا يقوم مقام السّجدة بل يكره له ذلك إن قصد القراءة ولا يتمسّك بما في الإحياء‏.‏ أمّا أوّلاً فلأنّه لم يرد فيه شيء وإنّما قال الغزاليّ‏:‏ إنّه يقال‏:‏ إنّ ذلك يعدل ركعتين في الفضل‏.‏ وقال غيره‏:‏ إنّ ذلك روي عن بعض السّلف،ومثل هذا لا حجّة فيه بفرض صحّته فكيف مع عدم صحّته‏.‏ وأمّا ثانياً فمثل ذلك لو صحّ عنه صلى الله عليه وسلم لم يكن للقياس فيه مساغ، لأنّ قيام لفظ مفضول مقام فعل فاضل محض فضل، فإذا صحّ في صورة لم يجز قياس غيرها عليها في ذلك، وأمّا ثالثاً فلأنّ الألفاظ الّتي ذكروها في التّحيّة فيها فضائل وخصوصيّات لا توجد في غيرها‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو يقتضي أنّ سبحان اللّه والحمد للّه‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ لا يقوم مقام السّجود وإن قيل به في التّحيّة لما ذكره‏.‏

سجود المريض والمسافر للتّلاوة

17 - ذهب الفقهاء إلى أنّ المريض الّذي لا يستطيع السّجود يجزئه في سجود التّلاوة الإيماء بالسّجود لعذره‏.‏ وقالوا‏:‏ إنّ المسافر الّذي يسجد للتّلاوة في صلاته على الرّاحلة يجزئه الإيماء على الرّاحلة تبعاً للصّلاة‏.‏

أمّا المسافر الّذي يريد السّجود للتّلاوة على الرّاحلة في غير صلاة ففيه خلاف‏:‏ ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يومئ بالسّجود حيث كان وجهه، لما روى أبو داود عن عبد اللّه بن عمر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ «أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قرأ عام الفتح سجدةً فسجد النّاس كلّهم، منهم الرّاكب والسّاجد في الأرض حتّى إنّ الرّاكب ليسجد على يده»‏.‏

ولأنّ السّجود للتّلاوة أمر دائم بمنزلة التّطوّع، وصلاة التّطوّع تؤدّى على الرّاحلة، وقد روى الشّيخان «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يسبّح يسجد على بعيره إلاّ الفرائض» وسومح فيها لمشقّة النّزول وإن أذهب الإيماء أظهر أركان السّجود وهو تمكين الجبهة‏.‏

ومقابل الأصحّ عند الشّافعيّة وهو قول بشر من الحنفيّة أنّه لا يجزئ الإيماء على الرّاحلة لفوات أعظم أركان سجود التّلاوة وهو إلصاق الجبهة من موضع السّجود، فإن كان في مرقد وأتمّ سجوده جاز‏.‏

والمسافر الّذي يقرأ آية السّجدة أو يسمعها وهو ماش لا يكفيه الإيماء بل يسجد على الأرض عند جمهور الفقهاء، وروي عن بعضهم أنّه يومئ‏.‏

قراءة آية السّجدة للسّجود

18 - ذهب المالكيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه يكره في الجملة الاقتصار على قراءة آية السّجدة وحدها دون ما قبلها وما بعدها بقصد السّجود فقط‏.‏ وإنّما كره ذلك لأنّه قصد السّجدة لا التّلاوة وهو خلاف العمل، وحيث كره الاقتصار لا يسجد‏.‏

ولو قرأ في الصّلاة لا بقصد السّجود فلا كراهة، وكذا لو قرأ السّجدة في صبح يوم الجمعة، وخصّ الرّمليّ القراءة لسجدة‏:‏ ‏{‏ألم تَنْزِيلُ‏}‏ في صبح الجمعة، فلو قرأ غيرها بطلت صلاته إن كان عالمًا بالتّحريم لأنّه كزيادة سجود في الصّلاة عمداً‏.‏

وذهب الحنفيّة إلى أنّه لا بأس بأن يقرأ آية السّجدة ويدع ما سواها، لأنّه مبادرة إليها، ولأنّها من القرآن وقراءة ما هو من القرآن طاعة كقراءة سورة من بين السّور، والمستحبّ أن يقرأ معها آيات دفعاً لوهم تفضيل آي السّجدة على غيرها‏.‏

مجاوزة آية السّجدة

19 - ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّه يكره للرّجل أن يقرأ السّورة أو الآيات في الصّلاة أو غيرها يدع آية السّجدة حتّى لا يسجدها، لأنّه لم ينقل عن السّلف بل نقلت كراهته، ولأنّه يشبه الاستنكاف، لأنّه قطع لنظم القرآن وتغيير لتأليفه، واتّباع النّظم والتّأليف مأمور به، قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ‏}‏‏.‏ أي تأليفه، فكان التّغيير مكروهاً، ولأنّه في صورة الفرار من العبادة والإعراض عن تحصيلها بالفعل وذلك مكروه، وكذا فيه صورة هجر آية السّجدة وليس شيء من القرآن مهجوراً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يكره مجاوزة محلّ السّجدة بلا سجود عنده لمتطهّر طهارة صغرى وقت جواز لها، فإن لم يكن متطهّراً أو كان الوقت وقت نهي فالصّواب أن يجاوز الآية بتمامها لئلاّ يغيّر المعنى فيترك تلاوتها بلسانه ويستحضرها بقلبه مراعاةً لنظام التّلاوة‏.‏

سجود التّلاوة في أوقات النّهي عن الصّلاة

20 - ذهب الحنفيّة - في ظاهر الرّواية - والمالكيّة والحنابلة - في رواية الأثرم عن أحمد - إلى أنّه لا سجود للتّلاوة في الأوقات المنهيّ عن صلاة التّطوّع فيها لعموم قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ «لا صلاة بعد الصّبح حتّى ترتفع الشّمس، ولا صلاة بعد العصر حتّى تغيب الشّمس»‏.‏

وعندهم بعد هذا القدر المتّفق عليه تفصيل‏:‏ قال الحنفيّة‏:‏ لو تلا شخص آية السّجدة أو سمعها في وقت غير مكروه فأدّاها في وقت مكروه لا تجزئه، لأنّها وجبت كاملةً فلا تتأدّى بالنّاقص كالصّلاة، ولو تلاها في وقت مكروه وسجدها فيه أجزأه لأنّه أدّاها كما وجبت، وإن لم يسجدها في ذلك الوقت وسجدها في وقت آخر مكروه جاز أيضاً لأنّه أدّاها كما وجبت لأنّها وجبت ناقصةً وأدّاها ناقصةً‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ يجاوز القارئ آية السّجدة إن كان يقرأ وقت النّهي - كوقت طلوع الشّمس أو غروبها أو خطبة جمعة - ولا يسجد - على الخلاف عندهم في المسألة السّابقة - ما لم يكن في صلاة فرض، فإن كان في صلاة فرض قرأ وسجد قولاً واحداً بلا خلاف عندهم لأنّ السّجود تبع للفرض‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ لا يسجد في الأوقات الّتي لا يجوز أن يصلّي فيها تطوّعاً، قال الأثرم‏:‏ سمعت أبا عبد اللّه يسأل عمّن قرأ سجود القرآن بعد الفجر وبعد العصر أيسجد ‏؟‏ قال‏:‏ لا، وعن أحمد رواية أخرى أنّه يسجد‏.‏

واستدلّوا للرّاجح - رواية الأثرم - بعموم الحديث السّابق، وبما روى أبو داود عن أبي تميمة الهجيميّ قال‏:‏ «كنت أقصّ ‏"‏ أغطّ ‏"‏ بعد صلاة الصّبح فأسجد فنهاني ابن عمر، فلم أنته، ثلاث مرار ثمّ عاد فقال‏:‏ إنّي صلّيت خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فلم يسجدوا حتّى تطلع الشّمس»

وروى الأثرم عن عبد اللّه بن مقسم أن قاصّاً كان يقرأ السّجدة بعد العصر فيسجد فنهاه ابن عمر وقال‏:‏ إنّهم لا يعقلون‏.‏

وقالوا‏:‏ لا ينعقد السّجود للتّلاوة إن ابتدأه مصلّ في أوقات النّهي ولو كان جاهلاً بالحكم أو بكونه وقت نهي لأنّ النّهي في العبادات يقتضي الفساد‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يجوز سجود التّلاوة في وقت الكراهة لأنّه من ذوات الأسباب، قال النّوويّ‏:‏ مذهبنا أنّه لا يكره سجود التّلاوة في أوقات النّهي عن الصّلاة‏.‏

تلاوة آية السّجدة في الخطبة

21 - ذهب الحنفيّة إلى أنّه لو تلا الإمام آية السّجدة على المنبر يوم الجمعة سجدها وسجد معه من سمعها‏.‏ لما ورد «أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم تلا سجدةً على المنبر فنزل وسجد وسجد النّاس معه»‏.‏

وقال المالكيّة‏:‏ إن قرأ آية السّجدة في خطبة جمعة أو غيرها لا يسجد، وهل يكره السّجود أو يحرم، خلاف عندهم والظّاهر الكراهة‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ يستحبّ تركها للخطيب إذا قرأ آيتها على المنبر ولم يمكنه السّجود مكانه لكلفة النّزول والصّعود، فإن أمكنه ذلك سجد مكانه إن خشي طول الفصل، وإلاّ نزل وسجد إن لم يكن فيه كلفة‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ إن قرأ سجدةً في أثناء الخطبة، فإن شاء نزل عن المنبر فسجد، وإن أمكنه السّجود على المنبر سجد عليه استحباباً، وإن ترك السّجود فلا حرج لأنّه سنّة لا واجب‏.‏

قراءة الإمام آية السّجدة في صلاة السّرّ‏:‏

22 - ذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّه يكره للإمام أن يقرأ آية السّجدة في صلاة يخافت فيها بالقراءة، لأنّ هذا لا ينفكّ عن أمر مكروه، لأنّه إذا تلا آية السّجدة ولم يسجد فقد ترك الواجب عند الحنفيّة، والسّنّة عند الحنابلة، وإن سجد فقد لبّس على القوم لأنّهم يظنّون أنّه سها عن الرّكوع واشتغل بالسّجدة الصّلبيّة فيسبّحون ولا يتابعونه، وذا مكروه، وما لا ينفكّ عن مكروه كان مكروهاً، وترك السّبب المفضي إلى ذلك أولى، وفعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم محمول على بيان الجواز فلم يكن مكروهاً‏.‏

وقال الحنفيّة‏:‏ إن تلاها مع ذلك سجد بها لتقرّر السّبب في حقّه وهو التّلاوة، وسجد القوم معه لوجوب المتابعة عليهم‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يكره للإمام سجود لقراءة سجدة في صلاة سرّ لأنّه يخلط على المأمومين فإن سجد خيّر المأمومون بين المتابعة للإمام في سجوده وتركها لأنّهم ليسوا تالين ولا مستمعين، والأولى السّجود متابعةً للإمام، لعموم الحديث‏:‏ «‏.‏‏.‏‏.‏ وإذا سجد فاسجدوا»‏.‏

وذهب المالكيّة إلى أنّ الإمام إن قرأ سورة سجدة في صلاة سرّيّة استحبّ له ترك قراءة آية السّجدة، فإن قرأها جهر بها ندباً، فيعلم المأمومون سبب سجوده ويتبعونه فيه، فإن لم تجهر بقراءة آية السّجدة وسجد للتّلاوة اتّبع المأمومون الإمام في سجوده وجوباً غير شرط‏.‏‏.‏ عند ابن القاسم، لأنّ الأصل عدم سهو الإمام، وعند سحنون‏:‏ يمتنع أن يتّبعوه لاحتمال سهوه، فإن لم يتبعوه صحّت صلاتهم، لأنّ سجود التّلاوة ليس من الأفعال المقتدى به فيها أصالةً، وترك الواجب الّذي ليس شرطاً لا يقتضي البطلان‏.‏

وذهب الشّافعيّة إلى أنّه لا يكره للإمام قراءة آية السّجدة ولو في صلاة سرّيّة، لكن يستحبّ له تأخير السّجود للتّلاوة إلى الفراغ من الصّلاة السّرّيّة لئلاّ يشوّش على المأمومين، ومحلّه إن قصر الفصل، قال الرّمليّ‏:‏ ويؤخذ من التّعليل أنّ الجهريّة كذلك إذا بعد بعض المأمومين عن الإمام بحيث لا يسمعون قراءته ولا يشاهدون أفعاله، أو أخفى جهره، أو وجد حائل أو صمم أو نحو ذلك، وهو ظاهر من جهة المعنى، ولو ترك الإمام السّجود للتّلاوة سنّ للمأموم السّجود بعد السّلام إن قصر الفصل، «وما صحّ عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه سجد في صلاة الظّهر للتّلاوة» يحمل على أنّه كان يسمعهم أحياناً الآية، فلعلّه أسمعهم آيتها مع قلّتهم فأمن عليهم التّشويش، أو قصد بيان جواز ذلك‏.‏

وقت أداء سجود التّلاوة‏:‏

23 - قال الحنفيّة‏:‏ سجدة التّلاوة إمّا أن تكون خارج الصّلاة أو في الصّلاة‏:‏ فإن كانت خارج الصّلاة فإنّها تجب على سبيل التّراخي على المختار عندهم - لأنّ دلائل الوجوب - أي وجوب السّجدة - مطلقة عن تعيين الوقت فتجب في جزء من الوقت غير معيّن، ويتعيّن ذلك بتعيينه فعلاً، وإنّما يتضيّق عليه الوجوب في آخر عمره كما في سائر الواجبات الموسّعة، ويكره تأخيرها تنزيهاً، إلاّ إذا كان الوقت مكروهاً، لأنّه بطول الزّمان قد ينساها، وعندما يؤدّيها بعد وقت القراءة يكفيه أن يسجد عدد ما عليه دون تعيين ويكون مؤدّياً‏.‏

أمّا إن كانت في الصّلاة فإنّها تجب على سبيل التّضييق - أي على الفور - لقيام دليله وهو أنّها وجبت بما هو من أفعال الصّلاة وهو القراءة فالتحقت بأفعال الصّلاة وصارت جزءاً من أجزائها، ولذا يجب أداؤها في الصّلاة مضيّقاً كسائر أفعال الصّلاة، ومقتضى التّضييق في أدائها حال كونها في الصّلاة ألاّ تطول المدّة بين التّلاوة والسّجدة، فإذا ما طالت فقد دخلت في حيّز القضاء وصار آثمًا بالتّفويت عن الوقت‏.‏

وكلّ سجدة وجبت في الصّلاة ولم تؤدّ فيها سقطت ولم يبق السّجود لها مشروعاً لفوات محلّه، وأثم من لم يسجد فتلزمه التّوبة، وذلك إذا تركها عمداً حتّى سلّم وخرج من حرمة الصّلاة، أمّا لو تركها سهواً وتذكّرها ولو بعد السّلام قبل أن يفعل منافياً فإنّه يأتي بها ويسجد للسّهو‏.‏

قال الزّرقانيّ‏:‏ الظّاهر أنّ المتطهّر وقت جواز إذا قرأها ولم يسجدها يطالب بسجودها ما دام على طهارته وفي وقت الجواز، وإلاّ لم يطالب بقضائها لأنّه من شعائر الفرائض‏.‏

وقال الشّافعيّة‏:‏ ينبغي أن يسجد عقب قراءة آية السّجدة أو استماعها، فإن أخّر وقصر الفصل سجد، وإن طال فاتت، وهل تقضى ‏؟‏ قولان‏:‏ أظهرهما لا تقضى، لأنّها تفعل لعارض فأشبهت صلاة الكسوف، وضبط طول الفصل أو قصره بالعرف‏.‏ ولو قرأ سجدةً في صلاته فلم يسجد فيها سجد بعد سلامه إن قصر الفصل، فإن طال ففيه الخلاف، ولو كان القارئ أو المستمع محدثاً حال القراءة فإن تطهّر عن قرب سجد، وإلاّ فالقضاء على الخلاف، ولو كان يصلّي فقرأ قارئ السّجدة وسمعه فلا يسجد، فإن سجد بطلت صلاته، فإن لم يسجد وفرغ من صلاته فقد اختلفوا في سجوده، والمذهب أنّه لا يسجد لأنّ قراءة غير إمامه لا تقتضي سجوده، وإذا لم يحصل ما يقتضي السّجود أداءً فالقضاء بعيد‏.‏

وقال الحنابلة‏:‏ يسنّ السّجود للقارئ والمستمع له ولو كان السّجود بعد التّلاوة والاستماع مع قصر فصل بين السّجود وسببه، فإن طال الفصل لم يسجد لفوات محلّه، ويتيمّم محدث ويسجد مع قصر الفصل‏.‏

تكرار سجود التّلاوة‏:‏

24 - اختلف الفقهاء في تكرار سجود التّلاوة بتكرار التّلاوة أو الاستماع أو عدم تكراره بتكرارهما‏.‏‏.‏ وينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏تداخل ف /11، ج 11 / 86‏)‏‏.‏